ما هي سيناريوهات الحرب بعد نجاح طوفان الأقصى؟
تواصل المقاومة الفلسطينية مسار مفاجآتها وإنجازاتها على جميع المستويات، وهذا ما تقرّ به المعطيات والتطورات، وردّ الفعل الإسرائيلي العاجز والمتخبطّ، أمام اقتدار وصمود وبراعة الفلسطينيين في اقتناص زمام المبادرة والسيطرة على مجريات الميدان، بالاعتماد على أنفسهم واستعداداتهم المسبقة، والاستناد الى محور المقاومة، الذي تأهبّت قواه في الساحات كلّها في أعلى مراحل الاستعداد والجهوزية.
فبالنسبة لردّ الفعل الإسرائيلي، فإنه يظهر في طيّات ما أعلنه رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، الذي تحدّث بعد اجتماع حكومته الموسعة الذي عقد أمس السبت، حينما تحدّث عن ثلاثة أهداف أو مراحل:
1) “تطهير” المستوطنات من المقاومين، وهو يحاول تصوير ذلك على أنه إنجاز في الوقت الذي قد لا يكون هدفاً لكتائب القسام أصلاً البقاء في المستوطنات والمواقع داخل غلاف غزة (فهدف عملية طوفان القدس كان، بكسر عنجهية وغطرسة جيش الاحتلال والردّ القويّ على جرائمه، من خلال إظهار عجزه وعجز منظوماته وجنوده وضباطه أمام مفاجآت المقاومة، وأمام الالتحام القريب والمباشر ما بين المقاومين وجنود الاحتلال).
2) تدفيع حماس الثمن.
3) تحييد جبهات وساحات محور المقاومة.
4) تحقيق انتصار واضح لا لبس فيه في أوساط الاحتلال.
هذه هي الأهداف أو المراحل الـ 4 هي التي أعلنها نتنياهو، وأعلن حالة الحرب على أساسها. ثم التقى على إثر ذلك بزعيم ما يسمى المعارضة يائير لابيد في إطار التنسيق، وما هو معتمد عادةً في الكيان أثناء الحروب والمواجهات العسكرية. كما أجرى نتنياهو من بعدها اتصالاً هاتفياً برئيس الولايات المتحدة الأمريكية جو بادين، وبرئيس فرنسا إيمانويل ماكرون، لتأمين سقف أمريكي ودولي لحربه. لذلك هدّد الرئيس الأمريكي بايدن بعدم تدخل طرف ثالث في الحرب (تهديد مبطن لمحور المقاومة وبالأخص الجمهورية الإسلامية في إيران وحزب الله)، والهدف من ذلك مساعدة الكيان على تعطيل معادلة وحدة الساحات. كما تحدّثت مصادر إعلامية عن إيصال فرنسا رسالة تهديد لحزب الله في نفس السياق.
محور المقاومة والقدس في أعلى درجات الاستنفار والجهوزية
وبموضوع وحدة الجبهات، في نفس السيناريو، تكشف المصادر إلى أن ساحات محور المقاومة كلّها مستنفرة وفي أعلى حالات الجهوزية التامّة، وهي مستعدّة للمشاركة وجاهزة للحرب الكبرى في أي لحظة تريد ذلك (اللحظة الاستراتيجية والمفصلية)، والشواهد على ذلك كثيرة.
فصبيحة هذا اليوم، نفّذت المقاومة الإسلامية في لبنان عبر مجموعات الشهيد القائد الحاج عماد مغنية، عملية استهداف مباشرة بالأسلحة المناسبة لـ 3 مواقع تابعة لجيش الاحتلال الإسرائيلي في مزارع شبعا المحتلًة، قامت بتبني المسؤولية عنها. بما يشير إلى أنها تعمّدت الردّ على رسائل التهديد الأمريكية والفرنسية من جهة، وللتأكيد على جهوزيتها واستعدادها من جهة أخرى.
أمّا باقي قوى محور المقاومة، فقد ظهرت جهوزيتهم وتأهبهم في الاستعدادات الميدانية، وفي إعلان بيانات التأكيد عليها. وأبرزها من اليمن والعراق لا سيما البيان الصادر عن مؤسسة الحشد الشعبي الرسمية العراقية، والذي أعلن فيه تأييده ودعمه الكاملين لعملية طوفان الأقصى وللمقاومة الفلسطينية، وهو ما يشير الى استعدادهم للمساندة متى تطلب الميدان ذلك.
مآلات الساعات القادمة
ليس هناك سيناريوهات واضحة الى أي مدى ستسلك الأوضاع الميدانية، سواءً حول التوغل الإسرائيلي البري الذي يعدّ من الخيارات الصعبة جداً على كيان الاحتلال، بل ويمكن اعتباره بمثابة خيار انتحار للكيان.
نتنياهو نفسه لا يعلم مآل الحرب وكيف ممكن لها أن تنتهي، وهذا ما يمكن استدلاله من خلال القصف العشوائي، تدمير الأهداف المدنية مثل الأبراج والمباني السكنية (وهذا أيضاً هدفه الرد الإسرائيلي على الحرب النفسية الي استطاعت المقاومة الفلسطينية امتلاك زمام المبادرة فيها)، ومحاولة اغتيال شخصيات كبيرة في حماس، وهو ما يصعب تحقيقه لوجود قياداتها الأولى خارج فلسطين المحتلة وهو أمر صعب للغاية (رئيس المجلس السياسي إسماعيل هنية في قطر، ونائب رئيس المجلس السياسي صالح العاروري في لبنان الذي سيعد اغتياله خرقاً لمعادلة ردع حزب الله بمنع حصول أي عملية اغتيال إسرائيلية على الأراضي اللبنانية لأي شخصية، وبالتالي فإن حصول الاغتيال أو محاولة الاغتيال سيؤدي حتماً لاستدراج لبنان الى الحرب وهذا ما يدرك الإسرائيليون بأنه ليس في مصلحتهم).
ونعيد التأكيد بأن اتخاذ الكيان قراراً بغزو غزة أو حتى احتلالها، سيكون بمثابة اتخاذ الاحتلال لخيار الانتحار.
أمام هذه الوقائع والسيناريوهات، يتأكد لنا بأن الكيان المؤقت حالياً متخبّط وعاجز، وغير قادر على تحقيق إنجاز. مع الإشارة إلى أنه حتى الأهداف التي تحدّث عنها نتنياهو، تعدّ أهدافاً منخفضة الأسقف، تمّهدُ له في حال تحقيقها، الترويج لانتصار سيتولى معارضيه في داخل الاحتلال أصلاً نقضه وتكذيبه.
وهنا يجب الانتباه إلى من المحتمل أن تكون أهداف نتنياهو المضمرة غير المعلنة، لكن الأخير لم يعلنها كيلا يضطر للتراجع عنها علناً.
مظاهر الفشل الإسرائيلي الذريع وغير المسبوق
وعلى صعيد مظاهر الفشل الإسرائيلي الذريع وغير المسبوق، يكفي استعراض المعطيات التالية، لكي يتأكد لنا ذلك:
_الإحصاءات عن الخسائر الإسرائيلية حتى الآن:
1) كشفت مصادر خاصة للخنادق بأن عدد القتلى في الكيان تجاوز الـ 1000 بين مستوطن وجندي (بينهم قادة كبار في جيش الاحتلال يتقدمهم قائد لواء الناحال يوناتان شتاينبرغ). وهذا ما أشار إليه موقع خدشوت إسرائيل عندما قال بأن وسائل الإعلام العالمية تعلن وتنشر ان عدد القتلى الإسرائيليين هو 500 حتى اللحظة، بينما في إسرائيل يعلنون أن لديهم فقط 350.
أمّا الصحفي الإسرائيلي ألموغ بوكير، فقد أكّد بأن عدد القتلى حتى هذه اللحظة أكبر بكثير مما هو معلن.
فيما نقل أحد أفراد منظمة زاكا الصهيونية للانقاذ أنه منذ الصباح يقومون بإخلاء عشرات الجثث من الشوارع في غلاف غزة، بحيث تذهب شاحنة وتعود أخرى لنقل الجثث، وهو ما وصفه بأنه “مروع ما يحصل هنا وما حصل”.
2)كما كشفت مصادر الخنادق، بأن عدد الأسرى الموجودين لدى المقاومة في قطاع غزة قد تجاوز الـ 100 جندي وضابط ومستوطن.
3) تجاوز عدد الجرحى الـ 1500 جريح، بينما أعلن الاحتلال عن مئات المفقودين. والعدد سيتزايد ويتضاعف التأكيد مع تطور الأحداث في الساعات المقبلة. وفي هذا السياق حذّر قائد الشرطة الإسرائيلية مؤخراً، من وقوع عمليات في جميع أنحاء فلسطين المحتلة.
_النقاط التي تم اقتحامها من قبل المقاومة هي أكثر من 50 مركز ونقطة عسكرية، وجمعوا مخزونا كبيرا من المعلومات الأمنية، والاستخباراتية، والتقنية الحساسة، والمهمة. ومساحة المنطقة التي استطاع المقاومون الفلسطينيون فرض سيطرتهم عليها تعادل حوالي 1.5 مساحة قطاع غزة. ولليوم الثاني من المعركة، تواصل مجموعات المقاومة الفلسطينية، هجماتها المباغتة ضد الأهداف الإسرائيلية العسكرية والاستيطانية، وقد أعلنت كتائب القسام منذ ساعات، عودة مقاوميها من قاعدة رعيم العسكرية (مقر قيادة فرقة غزة) بعد تنفيذهم لواجبهم. وقد قُتل في هذه القاعدة، قائد كتيبة الاتصالات 481 المقدم سهار محلوف. كما أعلن الناطق الرسمي باسم كتائب القسام أبو عبيدة منذ قليل، عن تمكّن المقاومة من استبدال القوات الموجودة بالغلاف ليلا واقتحام مواقع جديد، وهو ما يظهر قدرة عملانية ومرونة كبيرة لفصائل المقاومة. كما دعا أبو عبيدة “شعبنا في كل ساحات الوطن وأمتنا للانخراط في هذه المعركة الذي سيخلدها التاريخ”.
الكاتب:موقع الخنادق