طوفان الأقصى الذي هزّ الكيان والعالم
لقد خرجنا من مرحلة تاريخية إلى مرحلة تاريخية أخرى، فبينما انتظرت غولدمائير هجوم العرب انتقاماً لحرق الأقصى في العام 1969، ولم تنم ليلتها، ولم يأت يومها أحد لنصرة الأقصى، اختلف الأمر اليوم. بعد الإهانة الكبيرة للأقصى واقتحامه من قبل أكثر من ثلاثمئة مستعمر ومتطرف يهودي تحت حماية سلطات الإحتلال في الرابع من هذا الشهر، من أجل ممارسة شعائر احتفالات في يوم غفران جديد، وانطلقوا في مسيرة تجوب أزقة البلدة القديمة ابتدؤوا بها بالبصق في وجوه مسيحيي فلسطين كما تتطلب شعائرهم، وحتى أنهم لم يوفرا المسلمين من مسيرة البصاق، بدأت عملية “طوفان الأقصى”، وهي عملية كما ثبت ستطوف لتغمر كل فلسطين.
إقتحام الأقصى في هذا العام وبهذا الشكل لم يأت من فراغ وهو يندرج في المحاولات الصهيونية من أجل التسريع بعملية هدم الأقصى من أجل بناء الهيكل المزعوم في مكان الأقصى، وهذا الأمر لمن يشكك به يجري بتنسيق كامل مع الولايات المتحدة ومع الصهيونية العالمية. أغلب الظن جاء الأمر كإختبار لمدى تجاوب القوى المقاومة ليس في فلسطين فقط، ولكن في المنطقة، وقد حذر السيد حسن نصر الله عدة مرات من المساس بالقدس، وأن المقاومة لن تقف مكتوفة الأيدي أمام هكذا تدنيس لحرمة الأقصى.
في 7 تشرين الثاني أصدر حزب الله بياناً دعا فيه الشعب العربي والشعوب الإسلامية في العالم للوقوف إلى جانب المقاومة الفلسطينية وأنهم يراقبون عن قرب ومن الداخل. اليمن عبر عن دعمه وفرحته بعملية طوفان الأقصى على لسان الناطق الرسمي لأنصار الله محمد عبد السلام. فيما الشباب العربي عبر منصات التواصل الاجتماعي يقف في حالة انتظار ومتابعة خطوة بخطوة لما يحدث اليوم في فلسطين، ويترقب العمليات الخاصة الفلسطينية، كما نترقب العمليات الخاصة على الأفلام الأميركية، وبات رامبو والغلادييتر وجيمس بوند مجرد لعبة أمام المقاوم الفلسطيني، لما يقوم به من اقتحامات لمواقع الاحتلال الصهيوني المحصنة. إنها بطولات حقيقية تتناقلها الهواتف الناس ومشاهد يراها الجميع على مواقع التواصل الإجتماعي.
في هذه الأثناء، المحطات العربية المطبعة والمحطات الغربية تسمى المقاومين بالمسلحين، وتطلق على عملية الذود عن شرف الأقصى توصيف “أحداث عنف”. ومع أننا لم نشهد حتى الساعة صورة لأحد المقاومين وهو يدفع بإمرأة، مع أنهن جميعاً خدمن أو سيخدمن مع جيش الإحتلال، ولم يضرب ولد من أولاد المستعمرين أو يدفعه أو يجره من ياقة قميصه كما كانوا يفعلون مع أطفال وأبناء وبنات فلسطين. ومع أنه ثبت حتى الساعة مشاركة فصائل مختلفة في الفيضان الكبير، فإن الإعلام الغربي سيصر على شخصنة الخلاف بأنه خلاف بين العدو الصهيوني بكل آلياته الحربية وتجهيزاته مع منظمة إرهابية هي حماس، والتي تم تصنيفها بأنها كذلك من قبل ألمانيا والإتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وبعض الدول العربية.
ولكن هذا التوصيف والتصنيف للمقاومين في فلسطين والذين هبوا لحماية الأقصى من هجمات المستوطنين وعبثهم ومنع المصلين من الفلسطينيين من الدخول إليه، غير صحيح البتة. فالفصائل جميعها تشارك اليوم في حماية الأقصى والمطلوب حماية هذا الإنتصار والحفاظ عليه وحتى اللحظة أعلن رسمياً كل من الجهاد الإسلامي وعرين الأسود انضمامهما. لم تصدر حتى الساعة أية بيانات رسمية من دول عربية، لكن الأحزاب والقوى الوطنية في لبنان وسوريا واليمن والعراق والبحرين والمغرب العربي وأعلنت الجزائر عن وقفة تضامن مع فلسطين. لقد أعلن العرب تضامنهم ووضعوا آمالاً كبيرة فيما يحققه الفلسطينيون في منطقة ما يسمى بغلاف غزة وإعادة تحرير مناطق منها. ويبدو أن نداء القائد محمد الضيف، بعد أن أعلن عن بدء عملية طوفان الأقصى اليوم صباحاً، والذي طلب فيه من القوى المقاومة في محور المقاومة في لبنان وسوريا والعراق وإيران أن تكون على استعداد، مستجاب ولكن على نطاق أوسع.
سوريا وضعت أحزانها وجراحها جانباً، وبعد أن دفنت شهداء مجزرة الكلية الحربية في السادس من تشرين الأول/ أكتوبر، بدأ التلفزيون العربي السوري الرسمي إضافة إلى الإخبارية السورية مواكبة عملية طوفان القدس بحماس وفخر شديدين، وقد اتضح الموقف السوري من خلال فتح القنوات الرسمية وقد أعلنت رئاسة الجمهورية عبر صفحتها على الفيس بوك الموقف الرسمي بوضع وسم لطوفان الأقصى مع صورة للمسجد الأقصى، اليوم: أي في السابع من تشرين الأول. ويشعر السوريون عبر وسائل التواصل وكأن محمد الضيف قد أخذ ولو جزئياً بثأرهم من المجزرة الأميركية الصهيونية، التي ارتكبت في الخامس من تشرين الأول في الكلية الحربية في حمص. وقد أعلن اللواء يحيى رحيم صفوي مستشار قائد الثورة الاسلامية في إيران، عن دعم عملية “طوفان الأقصى”، ووقف البرلمانيون الإيرانيون ليهتفوا لفلسطين وبالموت لإسرائيل ليعلنوا الموقف الرسمي الإيراني من العملية البطولية.
حتى الساعة رد الفعل الدولي لم يتجاوز على لسان الأمم المتحدة سوى ضرورة ضبط النفس، وأما القرارات الأممية فلتبقى في الأدراج. والدولة الوحيدة التي تحاول التدخل من أجل احتواء الأمر هي مصر، ودعت الخارجية المصرية على لسان وزير خارجيتها، سامح شكري، إلى ممارسة أقصى درجات ضبط النفس، وتجنب تعريض المدنيين للخطر، وأجرى اتصالات مع الجانبين الفلسطيني والصهيوني ومع جوزيب بويل رأس الدبلوماسية الأوروبية. هل تفعلها مصر الرسمية مرة أخرى ونوقف مد الإنتصار الفلسطيني التشريني كما فعلت في حرب السادس من تشرين التحريرية بعد خيانة أنور السادات؟ في حين أن أحد المحللين الصهاينة يقول، بأنه كما فاجأتنا حرب “الغفران”، أي حرب تشرين التحريرية، 1973، بضرباتها الإستباقية على جبهات الجولان وسيناء، تفاجأنا اليوم بعد خمسين عاماً حرب تشرين ثانية بضرباتها الإستباقية في غزة.
الإعلام الغربي يتناول الخبر من باب ما أعلنه رئيس الكيان بنيامين نتنياهو بأن “اسرائيل في حالة حرب”. وليس هناك أي نقل مباشر للعمليات المقاومة. ويبدو أن الغرب حتى اللحظة يعيش ما تعيشه الدولة المارقة من صدمة الجرأة والإقدام الذي أبداه المقاومون الفلسطينيون. ولكن بالتأكيد سيبدأ اليوم من جديد الحديث عن حل الدولتين، وهذا ما طالب به نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف بعد أن طالب بعودة الأطراف إلى طاولة المفاوضات. فيما أعلن البيت الأبيض وقوفه إلى جانب “اسرائيل” ضد حركة حماس. ويبدو أنه في الخطوة القادمة ستتم مطالبة نتنياهو بالسير نحو طاولة المفاوضات، التي يأمل أن يتصدر محمود عباس المشهد فيها، وما يخشى أن يتكرر السيناريو ذاته المخيب للآمال، الذي كتب بعد البلاء الحسن الذي أبلته المقاومة الفلسطينية في عملية سيف القدس، فيما بدأ على المقلب الآخر الحديث عن وحدة الساحات واستعداد محور المقاومة للتدخل ليكون الفيضان الكبير لا سيما اذا شنت إسرائيل عدوانا بريا على غزة وذهبت نحو التصعيد العسكري.
ومع كل ما قيل، إن عملية طوفان الأقصى بدأت كعملية من أجل حماية الأقصى أولاً، ولتثبت المقاومة في فلسطين وفي المحور مجتمعاً أن الأقصى خط أحمر، إنه خط أحمر وعلى من يحاول تجاوزه أن يفكر ثانية. لا نعرف وقد مرت ساعات على الحدث العظيم الذي هز الكيان والعالم بالتأكيد، واهتزت معه مشاعرنا الوطنية حتى النخاع، إلى أين سيسير هذا الحدث المبارك، هل سيحقق المطالب بحماية القدس والمقدسات؟ هل سيطلق سراح الأسرى بعد عمليات الأسر الكبرى التي جمعها المقاومون وبالتالي إيقاف الإعتقال الإداري في فلسطين؟ هل سيحتفظ المقاومون بالأراضي التي استطاعوا تحريرها فيما يسمى بنطاق غزة؟ هل ستتوقف إهانة الفلسطينين على المعابر بعد كل هذه العزة التي شعر بها الفلسطينيون من النهر إلى البحر، ومعهم كل أحرار العرب والعالم؟ وهل سيكملون والجميع معهم الطريق نحو تحرير فلسطين؟ والمهم أن الطوفان العظيم آت وعلى الإسرائيليين أن يتحضروا لهذا الحدث التاريخي الكبير.
الكاتب:
عبير بسّام
-كاتبة صحفية، عضو في الرابطة الدولية للخبراء والمحللين السياسيين / ماجستر في العلاقات الدولية من جامعة LAU