التحالف البحري بين ايران ودول الخليج العربية .. قراءة في الأسباب والنتائج
منذ قيام الثورة الاسلامية في إيران وإعلان النظام الجمهوري فيها عام 1979 إلى الآن، والعلاقات الايرانية الخليجية تتأرج بين الشد والجذب، فقد قطعت العلاقات بين إيران وعدد من دول الخليج العربي، مثل: المملكة العربية السعودية والبحرين، وتأزمت مع بعضها، مثل: الكويت في فترات مختلفة، وكان للعداء المستحكم بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية وبعض دول الغرب دور في هذا، فقد كانت أغلب دول الخليج العربي، إن لم نقل كلها، متحالفة بقوة مع السياسة الأمريكية في المنطقة ومؤيدة لها، وأصبح العداء لإيران متجذر في السياسة الخليجية خاصة (باستثناء سلطنة عمان) والعربية عامة باستثناء دول قليلة، بل إنَّ دول مثل البحرين والامارات العربية المتحدة، سعت إلى التطبيع مع اسرائيل علنًا، وبكل ما يحمله ذلك من أضرار استراتيجية بإيران.
ولكن اليوم نرى أنَّ الموقف قد غيّر بشكل لافت للنظر، فقد أظهرت بعض الأحداث في المنطقة أنَّ هناك أمرًا خفيًا وغير عادي يجري في المنطقة، فالحدث الاول هو إعادة العلاقات بين إيران والمملكة العربية السعودية في 10 آذار 2023، بعد قطيعة استمرت أكثر من ثماني سنوات، والاكثر من ذلك أنه تم بوساطة الصين، علما أنَّ إيران والصين من أكثر الدول التي تصنفهم الولايات المتحدة أعداءً لها، وهو ما يعكس للوهلة الأولى أنَّ السعودية قد خرجت من العباءة الأمريكية. والحدث الثاني (وحسب ما اعلنته وكالة قناة روسيا اليوم) بتصريح لقائد البحرية الايرانية (الادميرال شهرام ايراني)، والذي كشف فيه أنّه سيتم قريبا قيام تحالف بحري بين ايران وعدد من دول المنطقة، وهي: (السعودية والعراق وقطر والبحرين والامارات)، وإنَّ مهمة هذا التحالف هي حفظ الأمن في المنطقة، وان لا حاجة لوجود قوات دول أخرى في المنطقة، وهو ما يبين للقارئ بأنَّ دور الولايات المتحدة قد خفض إلى أدنى حد، أو أنّها على وشك المغادرة كما حصل مع انسحاب بريطانيا في الخليج العربي عام 1970، وإنَّ دول المنطقة سوف تتكفل بحماية أمن الخليج وأهم ممر للطاقة في العالم، وهو ما يعزز اتساع دور إيران الاقليمي وقبولها كطرف مؤثر في المنطقة.
إنَّ تحسن العلاقات الايرانية الخليجية والتعاون فيما بينهم، ومنها تشكيل القوة البحرية المشتركة، والصمت الأمريكي أو الموافقة الضمنية على ذلك، لها ما يسوغها في الوقت الحالي، بل هي من صميم السياسة الأمريكية الغربية في المنطقة، للأسباب الآتية:
- إنَّ الحرب الروسية الأوكرانية وما سببته من تداعيات على الغرب ولاسيما والولايات المتحدة، أصبح من الضروري تهدئة مناطق التوتر الأخرى، ولاسيما في أهم منطقة في العالم للطاقة، وهي منطقة الخليج العربي، لهذا لجأت الولايات المتحدة إلى دفع دول الخليج العربي إلى فتح آفاق تعاون مع ايران – والتي لها تعاون وثيق مع روسيا الاتحادية- وإنشاء أي ترتيبات أمنية يمكنها من حفظ الأمن في الخليج العربي لحين الانتهاء من الصراع الروسي الاوكراني.
- وجود صراع آخر خفي في منطقة أخرى وهي بحر الصين الجنوبي، إذ إنَّ تهديدات الصين بإعادة تايوان لسيادتها بالقوة، والتحركات العسكرية الصينية الأمريكية في المنطقة، واحتمال المواجهة العسكرية بينهم، كل ذلك وضع الولايات المتحدة الامريكية أمام خيار خفض التوتر بين إيران وأهم دول المنطقة وهي السعودية، وإغراء إيران بالتعاون مع دول الخليج العربية من أجل منع أي تحرك إيراني مستقبلي ضد هذه الدول في حالة حصول مواجهة أمريكية روسية في أوكرانيا أو أمريكية صينية حول تايوان.
- يضاف إليه إنَّ دول الخليج العربي هي الأخرى تخشى من الانفراد الايراني في المنطقة، في حالة حدوث مواجهات أمريكية مع روسيا أو الصين، لهذا هي الأخرى سعت إلى تحسين علاقاتها مع إيران، وتقديم حوافز اقتصادية لها من أجل كسبها أو على الأقل حيادها في أي توتر قادم في المنطقة.
- إنَّ هدف الولايات المتحدة الامريكية الآخر من تحسين علاقات إيران مع دول الخليج العربي، هو إبعادها عن المحور الروسي الصيني، أو على الاقل ضمان حيادها في مواجهة قادمة في المنطقة، لاسيما إنَّ التعاون العسكري بين ايران وروسيا هو الأعلى منذ اندلاع النزاع في أوكرانيا، إذ إنَّ أغلب التقارير تشير إلى تزويد إيران روسيا بالطائرات المسيرة، وهو ما أصبح له تأثير في مجريات الحرب في أوكرانيا.
- كذلك إنَّ الانفتاح في العلاقات الدولية في بعض الاحيان يصب في مصلحة دول الخليج العربي، والتي تمتلك مقومات اقتصادية تتفوق بها على إيران، فهي دول نفطية ولها ثروة مالية كبيرة يمكنها استخدامها لأغراض عدة، وبما إنَّ ايران دولة تخضع لعقوبات اقتصادية شاملة وشعبها يعاني من هذه العقوبات، لهذا فإنَّ سياسة التسلل إلى الداخل الايراني قد تكون أكثر سهولة لاسيما إنَّ دول الخليج العربي، اتبعت هذه السياسة في عدة دول أخرى في المنطقة، لهذا فقد تكون هذه سياسة أخرى لضرب الداخل الايراني.
إنَّ اعادة العلاقات الايرانية الخليجية وقيام أي تحالف عسكري أو تعاون أمني بينهم، لا يمكن أن يكون دائمًا أو له آفاق مستقبلية، إذ إنَّ السياسة الأمريكية، ولضمان مصالحها النفطية والاستراتيجية ومصالح حلفائها ولاسيما أمن وسلامة الكيان الاسرائيلي، تسعى دائما إلى بقاء وجودها العسكري في المنطقة لأطول مدة ممكنة، ومنع أي قوة أخرى من الوجود العسكري في المنطقة ومنافستها، سواء كانت هذه القوة دولية أو اقليمية، يضاف إليه إنَّ الخلافات الأمريكية الإيرانية خلافات متجذرة لا يمكن حلّها بليلة وضحاها، وهدف الولايات المتحدة الأساس هو اسقاط النظام السياسي الاسلامي في إيران، وتشكيل نظام سياسي موالي لها، كما كان نظام الشاه السابق، وإنَّ كل المفاوضات السابقة بين الولايات المتحدة وايران، وحتى عندما عقد الاتفاق النووي بين ايران ومجموعة 5+1 عام 2015، فإنَّ الولايات المتحدة قد انسحبت من هذا الاتفاق بعد ثلاث سنوات، عندما رأت أنَّ هذا الاتفاق لا يحقق أهدافها، وعدم تمكنها من الاستفادة منه في التغلغل إلى الداخل الايراني، أو إحداث تغيير جوهري فيها، لهذا فإنَّ ايران تعرف قبل غيرها أنّ تحسن العلاقات مع دول الخليج العربية، وتشكيل تحالف بحري أو تعاون أمني، هو مرهون أولا وأخيرا بالسياسية الأمريكية في المنطقة، وإنَّ تحرك دول الخليج العربية هو ضمن السياسة الأمريكية ولمصلحتها وليس ضدها.
مركز الدراسات الاستراتيجية