عين واشنطن في قمة موسكو: الصبر الاستراتيجي لن ينفع مع كيم!
عقد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لقاء قمة مع نظيره الكوري الشمالي، كيم جونغ أون. اختيار بوتين لقاعدة فوستوشني الفضائية الروسية مكاناً للقاء نظيره لم يكن صدفة، رغم أنه أكد أن المباحثات جلّها اقتصادي وانساني. راقبت الولايات المتحدة الحديث عن كثب وحذر مزدوجين القمة، وبينما تحدثت وسائل الاعلام الأميركية عن صفقة تبادل عسكري بين الجانبين، تقاذف جناحا الإدارة الأميركية المسؤولية فيما نعته البعض “بفشل إدارة بايدن حيال التضييق على كيم”.
وصل جونغ أون إلى روسيا على متن قطار مصفح. كل ترتيبات القمة كانت محل دراسة لدى واشنطن، والأهم بالنسبة إليها بماذا سيعود كيم إلى بلاده وما هي طبيعة الصفقة التي سيعقدها الطرفان ليس فقط ما يعلن على وسائل الاعلام بل تلك السرية أيضاً. في حين تحدثت واشنطن عن تبادل عسكري بمئات آلاف القذائف المدفعية المصنوعة وفقاً لتصاميم سوفياتية وصواريخ محمولة على الكتف وأسلحة تكتيكية أخرى تعطيها كوريا لروسيا مقابل تكنولوجية صواريخ منها الفضائي ومنها الحربي. ثمة من وضع هذا الحدث ضمن إطار تحذير الرئيس الروسي السابق ديمتري ميدفيديف، في أبريل/نيسان لحكومة كوريا الجنوبية من أن أي دعم عسكري لأوكرانيا قد يؤدي إلى قيام روسيا بتزويد كوريا الشمالية بأسلحة متطورة. والآن ينفذ بوتين هذا التهديد.
أشعل لقاء بوتين وجونغ اون الجمر المندثر تحت الرماد في البيت الأبيض. اذ ان العلاقات مع كوريا الشمالية كانت محل جدل طيلة سنوات مضت، ولاقت اختلافاً بتعامل الرؤساء الأميركيين معها، خاصة مع تعهد كيم بمنح روسيا “الدعم الكامل وغير المشروط” لحربها في أوكرانيا.
عام 2016، سلّم الرئيس الأسبق باراك أوباما الرئيس المنتخب حينها، دونالد ترامب وصية “بجعل التهديد النووي لكوريا الشمالية على رأس أولوياته”. أخذ ترامب بالفعل بنصيحة أوباما، لكنه استمر بعد ذلك في عرقلة الجهود الدبلوماسية المبذولة. لم يكن الأمر مماثلاً عند الرئيس جو بايدن، الذي اختار تجاهل تحذير أوباما تماماً.
بحسب رواية واشنطن، فإن نقل موسكو لتكنولوجيا الأقمار الصناعية والصواريخ يمكن أن يجعل الترسانة النووية الضخمة لنظام كيم أكثر خطورة. وهذا ما ردت عليه مع كوريا الجنوبية معتبرة أن مثل هذه الإجراءات ستؤدي إلى تداعيات.
تقول زميلة بارزة في مركز ستيمسون، جيني تاون، أن “افتقار إدارة بايدن إلى أي مبادرة دبلوماسية تجاه كوريا الشمالية ساهم في المأزق الحالي. على مدى العامين الماضيين، صرح مسؤولو بايدن مراراً وتكراراً أنهم منفتحون على المفاوضات مع بيونغ يانغ حول برنامجها النووي دون شروط مسبقة. لكن يجب أن يعرفوا أن هذا ليس بداية لكيم…مجرد القول بأننا منفتحون على الدبلوماسية هو الطريقة الأكثر سلبية للقيام بذلك” وأضافت “هذا لا يكفي”.
من جهته، اعتبر الكاتب المتخصص في السياسة الخارجية والأمن القومي الأميركي، جوش روجين، إن “الطريقة الوحيدة لإقناع بيونغ يانغ بالمحادثات هي وضع شيء تريده على الطاولة. ولا ينبغي أن يكون هذا تنازلاً على الجبهة العسكرية أو النووية”. بل تتطلع واشنطن إلى مشاكل البلاد الاقتصادية، والخلل في الأمن الغذائي واحتياجات الصحة العامة، رغبة في استغلالها في أي محادثات محتملة.
من المؤكد أن أي جهد لإدارة بايدن لإعادة الانخراط بأي محادثات مع كوريا الشمالية سيكون صعباً للغاية نظراً لما وصلت إليها العلاقات اليوم، والمفاوضات السابقة التي منيت بالفشل. في حين ان بايدن يرغب في خوض السباق الرئاسي عام 2024، وتعد هذه المسألة قنبلة موقوتة، اذا ما خسر في تلافيها، ستنفجر في وجهه.
ثمة من يعتقد ان كيم قد يبقى في السلطة لعدة عقود أخرى، وهذا بعينه ما يفرض على الإدارة الأميركية وجوب التعامل مع الأمر. وتسأل صحيفة فورين بوليسي الأميركية في هذا الصدد “ألا ينبغي القيام بمحاولة جادة واحدة على الأقل للتحدث معه؟ ماذا سيحدث إذا عاد ترامب إلى منصبه؟ قد يعني ذلك أربع سنوات أخرى من التهديدات غير المنتظمة”. وتخلص إلى القول “الصبر الاستراتيجي خطير في عام 2023 لنفس السبب الذي كان خطيرا عندما مارسته إدارة أوباما قبل عقد من الزمان. عندما لا تكون هناك دبلوماسية، تسرّع كوريا الشمالية برامج أسلحتها وتقترب من خصوم الولايات المتحدة، ويزداد خطر الصراع. إن التعامل مع نظام كيم أمر صعب. عدم الانخراط فيه أسوأ بكثير”.
الكاتب: موقع الخنادق