السعودية منفتحة على الحوار مع حزب الله
تكشف الوقائع مجدداً أن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان يعيش ازدواجية وثنائية في مقاربته للسياسة في المنطقة، لا سيما في العلاقة مع الحليف الأميركي والجارة ايران، فثمة اعتقاد بان بن سلمان يقول شيئاً ويفعل خلاف ذلك، كما في القضية اليمنية اليوم حيث أظهر رغبته لوقف الحرب على هذا البلد بعد 8 سنوات من فشل العدوان السعودي، إلا ان الوقائع تشير الى استمرار الحصار والمماطلة بل القصف والاستهداف، وانه غير مستعد لتقديم التنازلات، وعدم وجود رؤية للخروج من الحرب. وثمة رأي آخر أرجح ان بن سلمان يجري تغييرات واضحة في السياسة الخارجية على ضوء الأولوية المستجدة (رؤية 2030) التي تجعل من السعودية النموذج الأحدث على مستوى الخليج متجاوزاً الإمارات وتجربة نظيره بن زايد، وأن ما يضمن نجاح هذه الخطة هو الاستقرار الأمني في الاقليم، كما لا يتسنى ذلك إلا عبر التفاهم مع الجمهورية الاسلامية.
بن سلمان يتحدث بإيجابية عن حزب الله
هذه الرغبة والأجواء الايجابية لبن سلمان او قل ما سمعه وزير الخارجية الايراني حسين امير عبد اللهيان خلال اللقاء به في جدة مدة 90 دقيقة أطلع عليه قيادة حزب الله وأمينه العام السيد حسن نصر الله، حيث وصف ولي العهد السعودي في اللقاء الإيرانيين “بالشركاء الصادقين”، وانه بصدد فتح صفحة إيجابية جديدة معهم، كما انه “منفتح على الحديث مع حزب الله، وعلى النظام السوري بما فيه المساهمة بإعادة الإعمار في سوريا”، ونقل عبد اللهيان ارتياب وقلق بن سلمان من الأميركيين مشككاً بوفائهم والتزاماتهم، فما فعلته إدارة البيت الأبيض بمحمد بن سلمان يبدو انه حفر عميقاً في عقل الرجل، وما تزال اعتداءات 11 سبتمبر التي اتهم الأميركيون السعودية بالضلوع فيها ماثلة أمامه، وهي ورقة للابتزاز السياسي، حيث نقلت مجلة بوليتيكو الاميركية (الاثنين) ان عائلات ضحايا 11 سبتمبر طالبوا الرئيس جو بايدن الالتزام بوعوده ومحاسبة المملكة السعودية، بالاضافة الى قضية مقتل جمال خاشقجي، وإهانة ترامب للملك سلمان نفسه، والتخلي ( او الفشل) عن حماية المملكة أمام الصواريخ والمسيرّات اليمنية،… وغيرها من الأحداث والمحطات التي أدرك فيها بن سلمان ان الاميركي يأخذ ولا يعطي، وان الضمانات والحماية الأمنية التي تريدها السعودية مقابل اموال البترودولار لم يعد الأميركي قادراً على توفيرها، لهذا قرر ان يتحرك في الهامش المتاح له اميركياً لا سيما ان الولايات المتحدة ترى انه يجب القضاء على “رأس الأفعى” روسيا والصين بدل ان تدخل في مواجهة مع حلفائها في الوقت الراهن.
إذن كان “حواراً صريحاً وشفافاً ومفيدا” في جدة، وأجواء ايجابية نقلها عبد اللهيان الى حارة حريك، وليس صحيحاً أنه طلب من حزب الله وقف التصعيد والهجوم الإعلامي على السعودية، فالحزب أوقف تصعيده ضد السعودية منذ لحظة بدء الهدنة بين اليمنيين والسعوديين، ما أشار اليه الشيخ نعيم قاسم للخنادق “في ملف اليمن، بعد أن حصلت الهدنة بين السعودية واليمنيين وبدأ الحديث عن احتمال إيجاد حلول ليس هناك ما يستدعي من قبلنا أن نعلن موقفاً سلبياً (من السعودية)”، والحديث الذي دار بين عبد اللهيان وقيادة حزب الله تركّز على محتوى اللقاء بين عبد اللهيان وبن سلمان وأجوائه الايجابية، وعن الاتفاق الإيراني السعودي، وعن آخر التطورات والمستجدات الاقليمية لا سيما الوضع في سوريا، في ظل التحركات والإجراءات الاميركية الاخيرة، ولا شك ان نقل هذه الأجواء الإيجابية من ولي العهد السعودي الى حزب الله ستساهم بإزالة الجليد وتفتح الطريق نحو الحوار بين الطرفين، ما ينعكس على الملف الرئاسي والأوضاع الراهنة في لبنان، مع العلم ان العقبة الكأداء التي تقف في طريق انتخاب رئيس للجمهورية تبقى الأميركي وسفيرته دوروثي شيا التي تتمسك بمرشحها قائد الجيش جوزيف عون. وقد أبلغت قبل فترة كافة الاطراف السياسية في لبنان رفضها القاطع للمرشح الوزير السابق سليمان فرنجية.
السفير الايراني الجديد يبدأ مهامه الدبلوماسية في السعودية
الاتفاق الايراني السعودي استراتيجي وقوي ومستمر، وثمة إرادة لدى الطرفين بإنجاحه، ففيه مصلحة استراتيجية لكلا البلدين وللمنطقة، وقد توجه اليوم السفير الإيراني الجديد في الرياض علي رضا عنايتي للبدء بمهامه الرسمية الدبلوماسية، الا ان هذا الاتفاق هو بين دولتين ايران والسعودية وليس بين محور المقاومة والسعودية، وهذا الأمر أبلغته طهران لحلفائها بالمحور، أي ان كل دولة وكل طرف هو حل من هذا الاتفاق، وان ينظر الى مصالحه و مصالح شعبه، تماماً كما في اليمن حيث اعلن انصار الله انهم جاهزون للحرب مجدداً اذا واصلت السعودية حصارها وتسويفها وعدم التزامها ببنود الهدنة.
الكاتب:د. محمد شمص
-إعلامي وباحث سياسي.
– استاذ الإعلام في الجامعة اللبنانية.
-دكتوراه في الفلسفة وعلم الكلام.
– مدير موقع الخنادق الالكتروني.