هل يغير الممر الاقتصادي خريطة الطاقة العالمية؟

الخطوط التجارية المشتركة ستعزز دور الخليج كأحد أهم اللاعبين المؤثرين في الساحة الدولية وسط قلق روسي من إيجاد أوروبا لبدائل الغاز

بعد التغير الكبير في خريطة الطاقة العالمية بدأ الاقتصاد العالمي مرحلة جديدة ترسمها الممرات التجارية، إذ شهدت قمة الـ20 التي انعقدت أخيراً في العاصمة الهندية نيودلهي إعلان ما يعرف باسم “الممر الاقتصادي” الذي يصل كلاً من الهند بأوروبا عبر الشرق الأوسط.

وشارك في توقيع مذكرة التفاهم كل من الهند والإمارات والسعودية والاتحاد الأوروبي وإيطاليا وفرنسا وألمانيا والولايات المتحدة.

ويشمل الممر الاقتصادي خطوط ملاحة بحرية وخطوط سكك حديد لنقل السلع، وكذلك أنابيب لنقل الهيدروجين الأخضر والكهرباء، إضافة إلى كابلات نقل البيانات فهل يغير الممر خريطة الطاقة العالمية؟

إلى ذلك أوضح تقرير صادر عن المركز العالمي للدراسات التنموية في العاصمة البريطانية لندن أن “دول الخليج العربي تتمتع بشبكة واسعة من القطارات والموانئ المتطورة التي قد تسهل من إنجاز هذا الممر وتحقق أهدافه”.

لكن التقرير البريطاني ذكر بعض التحديات التي قد تؤخر من إنجاز المشروع، فعلى رغم وجود شبكة من السكك الحديدية الجاهزة تصل بين عدد من الموانئ المعنية في الممر الاقتصادي، إلا أن هناك انقطاعات (فجوات) في هذه السكك يتجاوز طولها 4 آلاف كيلومتراً تتطلب استثمارات ضخمة إضافة إلى الوقت اللازم لإنشائها.

وتابع التقرير أن الأمر يتطلب تطوير بعض الموانئ والطرق الموصلة إليها في كل من اليونان وفرنسا وإيطاليا، مما يكلف مبالغ قد تصل إلى 20 مليار دولار، إضافة إلى ذلك فهناك عدد من المعايير التي يجب الاتفاق عليها في ما يخص نوعية القطارات ومحركاتها وسعة الحاويات وأبعادها وسهولة نقلها، بخاصة أنها ستمر بمحطات وموانئ عدة وستوضع في أرصفة عدة، مما يرفع من كلفة النقل.

ميزات قناة السويس التنافسية

وبحسب التقرير فإن الممر الاقتصادي يعزز أهمية الشرق الأوسط المستمرة ليس كمصدر للطاقة فحسب، وإنما كنقطة التقاء استراتيجية بين عدد من الممرات التجارية القديمة والحديثة على حد سواء، فقناة السويس في مصر التي يمر عبرها جميع التجارة البحرية بين أوروبا وآسيا كانت ولا تزال ذات أهمية قصوى في الاقتصاد العالمي.

ويبلغ حجم التجارة المنقولة بحراً عبر قناة السويس 10 في المئة من التجارة العالمية، مما يجعلها من أهم الممرات التجارية في العالم منذ إنشائها في عام 1869.

ولم تفقد قناة السويس أهميتها منذ ذلك الحين، إلا أن الحديث عن عدد من الممرات التجارية الجديدة طرح عدداً من التساؤلات حول مستقبل القناة، فالممر الاقتصادي الواصل بين أوروبا غرباً والهند شرقاً من دون المرور بقناة السويس وخط شمال – جنوب الواصل بين روسيا والخليج العربي مروراً بإيران، وكذلك طريق التنمية الواصل بين أوروبا وتركيا مع العراق، كلها مشاريع ستزيد من حدة التنافس مع قناة السويس، إلا أن تقرير المركز العالمي للدراسات التنموية يشير إلى تمتع قناة السويس بعوامل عديدة تمنحها ميزة تنافسية ستسمر لوقت طويل حتى تثبت الممرات الأخرى فعاليتها وقدرتها.

فالخبرة الطويلة والمهمة لقناة السويس وقدرتها على توفير الأمن والسرعة في المرور، إضافة إلى أعمال التوسعة المستمرة التي تشهدها القناة يجعلها ممراً موثوقاً بالنسبة إلى عديد من شركات الملاحة والنقل والتأمين.

العقوبات على إيران تؤثر في ممر شمال – جنوب

وتناول التقرير البريطاني أيضاً خط شمال – جنوب التجاري واصفاً إياه بحلقة وصل مهمة لروسيا وأوروبا مع الهند، إذ يمتد على طول 7200 كيلومتر عابراً روسيا وإيران وأذربيجان وآسيا الوسطى.

لكن هذا الخط التجاري بحسب التقرير لن يكون ذا قدرة تنافسية مع الممرات الأخرى، ما لم تحل مشكلة إيران مع الغرب في ما يتعلق بالملف النووي والعقوبات، وكذلك إذا لم تنته حرب روسيا في أوكرانيا كونها تؤثر في انتقال السلع من السوق الأوروبية إلى الأسواق الآسيوية الأخرى.

طريق التنمية قد يغير من سياسات تركيا

ويشير تقرير المركز إلى أن العراق لا يمانع في أن يكون معبراً للصادرات الإيرانية إلى السعودية وبالعكس، وذلك بحسب مصادر رسمية، كما نجح العراق في ربط مصالح تركيا الاقتصادية بطريق التنمية الممتد من البصرة إلى الحدود التركية، فتركيا ترى في هذا المشروع تعزيزاً لموقعها التجاري عالمياً من خلال ربط موانئها مع موانئ كل من الهند والإمارات وقطر والعراق معاً.

من جانبه أبدى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عدم رضاه عن الممر الاقتصادي، معتبراً أنه يتجاهل تركيا كإحدى المحطات المهمة في التجارة العالمية بين الشرق والغرب، ويبدو أن الجانب التركي استوعب ذلك سريعاً، عندما عبر وزير الخارجية التركي هاكان فيدان عن أمله بالبدء في تنفيذ طريق التنمية مع العراق في غضون الأشهر القليلة المقبلة.

لكن تركيا بحسب التقرير تواجه عدداً من التحديات التي قد تهدد طموحاتها التجارية، فهناك مشكلة حزب العمال الكردستاني الذي قد يهدد مصالحها الاقتصادية في جنوب شرقي تركيا، وكذلك الخلاف مع الإدارة الأميركية حول ملف قوات سوريا الديمقراطية “قسد” في سوريا، إضافة إلى تقاربها مع روسيا.

وقد يجبر ذلك أنقرة على إعادة النظر في طريقة تعاملها مع بعض الملفات الحساسة، بخاصة ما يتعلق بملف المياه مع العراق، وملف تصدير نفط إقليم كردستان عبر أراضيها.

إلى ذلك لا تغفل الحكومة التركية الدور البارز الذي قد تلعبه حكومة كردستان في حماية طريق التنمية من أية هجمات قد تعرقل عمله في المستقبل.

استراتيجية إيرانية جديدة في المنطقة

ويتحدث تقرير المركز العالمي للدراسات التنموية عن القلق الإيراني من مشروع الممر الاقتصادي وطريق التنمية على حد سواء، خصوصاً وأنهما يهددان خط شمال – جنوب الذي تعول عليه طهران لتكون حلقة وصل بين أوروبا وروسيا من جهة والهند وبقية دول آسيا من جهة أخرى.

وقد يفسر هذا جزءاً من الأزمات التي عانتها حكومة رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، بخاصة ما يتعلق بأزمة كركوك التي كادت تؤدي إلى انسحاب الكرد من الحكومة، أو الأزمة المفتعلة مع الكويت بخصوص خور عبدالله التي قد توتر الأوضاع في جنوب العراق تحديداً.

“الممر الاقتصادي” طريق جديد للتنمية العالمية
فاستقرار منافذ العراق التجارية واستتباب الأمن والاتفاق بين بغداد وأربيل يسرع من إنجاز طريق التنمية، في وقت تطمح فيه طهران لتوسيع طريق شمال – جنوب لتصل به إلى الخليج العربي أيضاً.

وللتغلب على التبعات السلبية التي قد تنعكس عليها من الممر الاقتصادي الذي أعلن أخيراً يتحدث التقرير عن استراتيجية جديدة تتبعها إيران في التعامل مع الممرات التجارية الأخرى، فبدلاً من معارضة خط التنمية بين العراق وتركيا تعمل إيران على الدخول فيه من طريق الربط السكك الحديدية مع العراق، وبذلك يتصل خط شمال – جنوب مع محافظة البصرة جنوب العراق ومنها إلى الخليج العربي.

بينما تؤكد مصادر حكومية عراقية أن الوصل السككي مع إيران هو لنقل المسافرين فحسب، لكن تصريحات لمسؤولين عراقيين سابقين توضح أن نوعية السكك التي أنشئت يمكن أن تستخدم لنقل السلع في المستقبل.

وفي حال تمكنت طهران من ربط خطوطها السككية مع البصرة، فسيكون من السهل لاحقاً ربطها مع السعودية والوصول بشكل غير مباشر لشبكة خطوط الممر الاقتصادي الجديد.

ولا يبدو ذلك مستبعداً بخاصة أن ذلك ينسجم أيضاً مع رغبة موسكو في أن يكون لها موطئ قدم تجارية مع الأسواق الخليجية والآسيوية، ففي يونيو (حزيران) الماضي انطلق قطار روسي يحمل حاويات تجارية إلى السعودية عبر تركمانستان وميناء بندر عباس في إيران وذلك في محاولة روسية لتعزيز خطوطها التجارية مع الشرق الأوسط.

قلق روسي من إيجاد أوروبا بدائل للطاقة

ويبين التقرير أن روسيا تعتزم زيادة أرقام التبادل التجاري مع السعودية من 1.6 مليار دولار إلى 5 مليارات دولار خلال السنوات القليلة المقبلة، مما يشير إلى رغبة روسية في الوصول إلى أسواق الخليج العربي مستقبلاً.

من جانبه، شكك الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بالجدوى الاقتصادية للممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا، معتبراً أنه مكمل لممر شمال – جنوب.

في غضون ذلك تحاول موسكو إخفاء قلقها من الممر الاقتصادي الذي وصفه آموس هوكستين كبير مستشاري الرئيس الأميركي جو بايدن بأنه سيغير من قواعد اللعبة في المنطقة، فهذا الخط التجاري سيكون أحد الخيارات المهمة التي ستعتمدها أوروبا كبديل عن الغاز الروسي في المستقبل، إذ تسهم أنابيب الهيدروجين الأخضر التي يشتمل عليها الممر بتوفير أكثر من 20 في المئة من حاجة أوروبا من الهيدروجين، مما يخفف من الضغط الروسي على الاقتصاد الأوروبي.

السعودية لاعب مؤثر في الاقتصاد العالمي

وتعزز هذه الخطوط التجارية من دور الخليج العربي والسعودية تحديداً كأحد أهم اللاعبين المؤثرين في الاقتصاد العالمي، كونها تضع هذه الدول في قلب المعادلة التجارية العالمية وتعزز من مكانتها في أسواق الطاقة.

ويدعم هذا النوع من المشاريع التجارية رؤية السعودية 2030 المعنية بالتنوع الاقتصادي، وتحفيز قطاعات جديدة كالنقل والصناعة، إضافة إلى التحول نحو الاقتصاد الأخضر.

وتعتزم السعودية إنشاء أكبر مصنع لإنتاج الهيدروجين الأخضر في العالم باستثمار قدره 8.4 مليار دولار، إذ سيولد أربعة غيغاواط من الطاقة الشمسية والرياح تستخدم في إنتاج 600 طن من الهيدروجين الاخضر يومياً في غضون الأعوام الثلاثة المقبلة.

وبحسب التقرير فإن السعودية ستكون قادرة على تصدير ما يقارب من 4 ملايين طن من الهيدروجين النظيف بحلول 2030 سيكون الاتحاد الأوروبي واليابان أبرز مستورديها، وبدأت موانئ أوروبية عدة مثل نوتردام وأمستردام في هولندا وهامبورغ في ألمانيا الاستعداد لاستقبال شحنات الهيدروجين، مما يرسم ملامح جديدة لصورة العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية مع الشرق الأوسط.

 

Exit mobile version