الاتحاد الأوروبي ـ استراتيجية الأمن الاقتصادي

 

يمثل التهديد الاقتصادي عامل محوري في الاستراتيجية الأوروبية للدفاع والأمن، بعد الحرب الأوكرانية، خاصة في ضوء المنافسة العالمية المحتدمة في المجال الاقتصادي بين الغرب وروسيا من الناحية الأخرى ومعها الصين.وبشكل خاص، تعتبر حرب أوكرانيا، والصراعات في جورجيا ومولدوفا، والدور الذي تلعبه دول مثل بيلاروسيا، هي التهديدات الرئيسية لأوروبا، والوضع غير المستقر في غرب البلقان، والإرهاب الإسلاموي في منطقة الساحل الأفريقي، والصراعات الإقليمية في الشرق الأوسط، إلى جانب الاهتمام المتزايد بالهند ومنطقة المحيط الهادئ، وأمريكا اللاتينية. بالإضافة إلى  التهديدات سيبرانية .

يقول جوزيب بوريل، ممثل الشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي: “يجب أن تتعلم أوروبا التحدث بلغة القوة”. تعبر هذه التصريحات تماماً عن الخطوات التي تتخذها دول التكتل الأوروبي لإقرار استراتيجية حماية أمنية وسياسية واقتصادية، في ضوء التحولات التي تشهدها دول الاتحاد تأثراً بالأزمة الأوكرانية وما نتج عنها من تداعيات مثلت خطراً مباشراً على أمن أوروبا العسكري والاقتصادي.

استراتيجية أوروبا للأمن الاقتصادي

أطلقت المفوضية الأوروبية، 20 يونيو 2023، استراتيجية جديدة للأمن الاقتصادي، في ظل سياق من التوترات الجيوسياسية الدولية، أبرزها تداعيات الأزمة الأوكرانية على أوروبا. وقالت رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لايين، إن بروكسل ترغب في التأكد من أن عدداً معيّناً من التكنولوجيات الأوروبية لن تسهم في تعزيز القدرات العسكرية لبعض البلدان. وفي مواجهة ضغوط الولايات المتحدة الأمريكية، تريد بروكسل المضي في نهج تجاه بكين يوازن بين المخاوف بشأن الاعتماد المفرط على الصين مع الحفاظ على العلاقات التجارية مع ثاني أكبر اقتصاد في العالم.

جاء في وثيقة نُصّت في بروكسل أنّ المفوضية ترغب عبر الاستراتيجية الجديدة في معالجة المخاطرالأمنية التي تشكلها الاستثمارات الخارجية، وتعزيز ضوابط التصدير على السلع التي لها استخدامات مدنية وعسكرية. ومن بين التكنولوجيات التي تذكرها الوثيقة الحوسبة الحكومية، الذكاء الاصطناعي، الجيل السادس من الاتصالات، والتكنولوجيا الحيوية، الرقائق الدقيقة المتقدمة، والروبوتات.  ومن المرجح أن تمنع الاستراتيجية الشركات الأوروبية من إنتاج عدّة أنواع من التكنولوجيا في بلدان مثل الصين وروسيا.

أهداف الاستراتيجية

تركز الاستراتيجية الأوروبية للأمن الاقتصادي على عدة محاور أبرزها تقليل المخاطر الناشئة عن بعض التدفقات الاقتصادية في سياق التوترات الجيوسياسية المتزايدة والتحولات التكنولوجية المتسارعة، مع الحفاظ على أقصى مستويات الانفتاح والديناميكية الاقتصادية، وتحدد الاستراتيجية المقترحة إطاراً مشتركاً لتحقيق الأمن الاقتصادي من خلال تعزيز القاعدة الاقتصادية للاتحاد الأوروبي وقدرته التنافسية. الحماية من المخاطر؛ والشراكة مع أوسع نطاق ممكن من البلدان لمعالجة الاهتمامات والمصالح المشتركة.

إن المبادئ الأساسية للتناسب والدقة ستوجه التدابير المتعلقة بالأمن الاقتصادي، كما تسعى الدول الأوروبية لإتباع نهج أكثر شمولاً لإدارة المخاطر إن المخاطر التي تفرضها بعض الروابط الاقتصادية تتطور بسرعة في البيئة الجيوسياسية والتكنولوجية الحالية وتندمج بشكل متزايد مع المخاوف الأمنية. ولهذا السبب، يتعين على الاتحاد الأوروبي أن يعمل على تطوير نهج شامل في تحديد وتقييم وإدارة المخاطر التي تهدد أمنه الاقتصادي بشكل مشترك.

وتقول أورسولا فون دير لاين رئيسة المفوضية الأوروبية، في 21 يونيو 2023: (لقد كان التكامل العالمي والاقتصادات المفتوحة بمثابة قوة من أجل الخير لأعمالنا، وقدرتنا التنافسية، واقتصادنا الأوروبي. وهذا لن يتغير في المستقبل. ولكن يتعين علينا أيضاً أن نكون واضحين بشأن عالم أصبح أكثر إثارة للجدل وجيوسياسياً. ولهذا السبب أصبح موضوع الأمن الاقتصادي أولوية بالنسبة لنا وللعديد من شركائنا. واليوم أصبحت أوروبا أول اقتصاد رئيسي يضع استراتيجية بشأن الأمن الاقتصادي. وسوف يضمن سيادة أوروبا وأمنها وازدهارها في السنوات القادمة.)

مخاطر تواجه الأمن الاقتصادي الأوروبي

تقترح الإستراتيجية منهجية لتقييم المخاطر، وينبغي أن تنفذها اللجنة والدول الأعضاء بالتعاون مع رئيس المفوضية، حيثما كان ذلك مناسبا، وبمساهمة من القطاع الخاص. وينبغي أن تكون عملية ديناميكية ومستمرة، وتقترح الإستراتيجية إجراء تقييم شامل للمخاطر التي يتعرض لها الأمن الاقتصادي في أربعة مجالات.

أولاً: المخاطر التي تهدد مرونة سلاسل التوريد، بما في ذلك أمن الطاقة.

ثانياً: المخاطر التي تهدد الأمن المادي والأمن السيبراني للبنية التحتية الحيوية.

ثالثاً: المخاطر المتعلقة بأمن التكنولوجيا وتسرب التكنولوجيا

رابعاً: مخاطر استخدام التبعيات الاقتصادية كسلاح أو الإكراه الاقتصادي.

آلية تجنب المخاطر

تحدد الإستراتيجية أيضًا كيفية التخفيف من المخاطر المحددة من خلال نهج ثلاثي المحاور، أي عن طريق:

تعزيز القدرة التنافسية للاتحاد الأوروبي، من خلال تعزيز السوق الموحدة، ودعم اقتصاد قوي ومرن، والاستثمار في المهارات وتعزيز القاعدة البحثية والتكنولوجية والصناعية للاتحاد الأوروبي.

حماية الأمن الاقتصادي للاتحاد الأوروبي من خلال مجموعة من السياسات والأدوات الحالية، والنظر في سياسات جديدة لمعالجة الثغرات المحتملة. ومن الممكن أن يتم هذا بطريقة متناسبة ودقيقة تعمل على الحد من أي تأثيرات سلبية غير مقصودة قد تمتد إلى الاقتصاد الأوروبي والعالمي.

الشراكة مع أوسع نطاق ممكن من الشركاء لتعزيز الأمن الاقتصادي، بما في ذلك من خلال تعزيز الاتفاقيات التجارية ووضع اللمسات النهائية عليها، وتعزيز الشراكات الأخرى، وتعزيز النظام الاقتصادي القائم على القواعد الدولية والمؤسسات المتعددة الأطراف، مثل منظمة التجارة العالمية، والاستثمار في التنمية المستدامة من خلال البوابة العالمية.

خطوات نحو أمن اقتصادي لدول أوروبا

ناقش الاتحاد الأوروبي مع البرلمان الأوروبي تطوير إطار عمل مع الدول الأعضاء لتقييم المخاطر التي تؤثر على الأمن الاقتصادي للاتحاد الأوروبي في 29 و30 يونيو 2023 ؛ ويشمل ذلك وضع قائمة بالتكنولوجيات ذات الأهمية الحاسمة للأمن الاقتصادي وتقييم مخاطرها بهدف وضع تدابير التخفيف المناسبة، كما ناقشا الانخراط في حوار منظم مع القطاع الخاص لتطوير فهم جماعي للأمن الاقتصادي وتشجيعهم على بذل العناية الواجبة وإدارة المخاطر في ضوء مخاوف الأمن الاقتصادي؛ ومواصلة دعم السيادة التكنولوجية للاتحاد الأوروبي ومرونة سلاسل القيمة في الاتحاد الأوروبي، بما في ذلك من خلال تطوير التقنيات الحيوية من خلال منصة التقنيات الاستراتيجية لأوروبا (STEP).

وتم مراجعة لائحة فحص الاستثمار الأجنبي المباشر، واستكشاف الخيارات لضمان الدعم الموجه الكافي للبحث والتطوير في مجال التكنولوجيات ذات الاستخدام المزدوج، فضلاً عن التنفيذ الكامل للوائح مراقبة الصادرات الخاصة بالاتحاد الأوروبي بشأن المواد ذات الاستخدام المزدوج وتقديم اقتراح لضمان فعاليتها وكفاءتها، وجرت دراسة المخاطر الأمنية التي يمكن أن تنجم عن الاستثمارات الخارجية، مع الدول الأعضاء، وعلى هذا الأساس اقتراح مبادرة بحلول نهاية العام 2023؛ اقتراح تدابير لتحسين أمن البحث لضمان التنفيذ المنهجي والصارم للأدوات الحالية وتحديد ومعالجة أي ثغرات متبقية؛ استكشاف الاستخدام المستهدف لأدوات السياسة الخارجية والأمنية المشتركة (CFSP) لتعزيز الأمن الاقتصادي للاتحاد الأوروبي بما في ذلك أدوات الدبلوماسية الهجينة والسيبرانية وأدوات التلاعب بالمعلومات الأجنبية والتدخل (FIMI).

إصدار الاتحاد الأوروبي التعليمات إلى  جهاز التحليل الاستخباري (SIAC للعمل بشكل خاص على اكتشاف التهديدات المحتملة للأمن الاقتصادي للاتحاد الأوروبي؛ ضمان دمج حماية وتعزيز الأمن الاقتصادي للاتحاد الأوروبي بشكل كامل في العمل الخارجي للاتحاد الأوروبي وتكثيف التعاون مع دول ثالثة بشأن قضايا الأمن الاقتصادي.

بموازاة كل ذلك، دعا رئيس الوزراء الصيني، لي تشيانغ، ألمانيا يوم 21 يونيو 2023 إلى تعزيز التعاون مع بكين لدعم النمو مع افتقار التعافي الاقتصادي العالمي إلى الزخم، وقال لي في مؤتمر صحافي في برلين “يفتقر التعافي الاقتصادي العالمي إلى ديناميكية النمو. وينبغي على الصين وألمانيا، كبلدين كبيرين ومؤثرين، العمل بشكل وثيق معاً من أجل السلام والتنمية العالميين”، ومن جانبه قال المستشار الألماني أولاف شولتس إن ألمانيا تسعى إلى بناء علاقات تجارية “متوازنة” مع دول آسيوية وألا تحصر نفسها مع شريك واحد.

تقييم وقراءة مستقبلية

ـ يعكس حديث مقوض السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، بوريل، والذي يتضمن التحدث بقوة، في يريد ان يكون هناك دور قوي وفاعل للاتحاد الأوروبي في النزاعات والصراعات الدولية، وهذا يدفع الاتحاد الأوروبي للأنخراط في النزاعات الدولية مستقبلا، وكأنه توجه جديد.

ـ لم تعد دول أوروبا اليوم في مأمن خلال حرب أوكرانيا وتوسع مناطق التوتر خاصة في بحر البلطيق والبلقان وكذلك عند الحدود ألوروبية الداخلية، رغم حرص الناتو بتوفير الأمن ضد اي تهديدات محتملة من روسيا.

ـ تبقى الصين، مخرج لأزمات اقتصاد أوروبا، خاصة لو تحدثنا عن ألمانيا وفرنسا، رغم الأختلافات الجيوسياسية.

ـ يواجه الاتحاد الأوروبي سياسات تنافسية لاتخدم اقتصاد التكتل، تمثلت هذه السياسيات في التدابير والإجراءات الأمريكية في علاقاتها التجارية مع الولايات المتحدة والتي تتحدث دوما عن سياسات الحماية التجارية.

ـ سلطت التوترات الجيوسياسية المتزايدة والمنافسة الجيواستراتيجية والجيواقتصادية بين الغرب وروسيا، فضلاً عن الصدمات مثل جائحة فيروس كورونا والأزمة الأوكرانية ، الضوء على المخاطر الكامنة في بعض التبعيات الاقتصادية ونبهت الاتحاد الأوروبي لضرورة التحرك والعمل من أجل تحقيق استقلال في مجالات الأمن والدفاع والاقتصاد كذلك.

ـ تمثل الاستراتيجية الشاملة، إضافة إلى العمل المشترك عبر السياسات الداخلية والخارجية ومجموعة متماسكة من التدابير على مستوى الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء ضرورة مُلحة للاتحاد الأوروبي لتقييم المخاطر وإدارتها مع الحفاظ في الوقت نفسه على انفتاحه على السياسات الاقتصادية والشراكات الإقليمية والدولية.

ـ في ضوء التشاحن المستمر بين الولايات المتحدة والصين، تخشى دول الاتحاد الأوروبي أن تتكرر أخطاء التعامل مع موسكو خاصة فيما يتعلق بإمدادات الطاقة، لذلك تسعى أوروبا للاستقلال بشراكتها الاقتصادية، والسير نحو تفاهمات مشتركة بالرغم من التباين الواضح فيما بينها.

بون ـ  مكافحة الارهاب والاستخبارات  وحدة الدراسات “27”

Exit mobile version