ينطلق الكيان المؤقت في العلاقات التي ينسجها على الصعيدين الاقليمي والدولي، من منطلقين أساسيين هما: أولاً أنه كيان وظيفي من حيث المبدأ يكرس جهده في خدمة القوة الكبرى التي ترعاه، وهي الولايات المتحدة في الظرف الراهن، وثانياً أنه ذو نزعة توسعية ترمي إلى الهيمنة وإلى أداء دور “إمبريالية صغرى” في سياق الإمبريالية العالمية العامة.
وهذان المنطلقان يحكمان بالضرورة دور الكيان تجاه قارة آسيا حيث عمل ويعمل باستمرار على زرع قاعدة وجود ونفوذ له فيها، إما لمجابهة قوة إسلامية صاعدة مثل باكستان وإيران، وإما لإحباط ومحاصرة إمكانية بروز هذه القوة والتحكم في مسار حركتها المستقبلية مثلما هي الحال بالنسبة لدول آسيا الوسطى الإسلامية المتحررة من سيطرة الاتحاد السوفياتي السابق. وفي هذا المجال يسعى الكيان المؤقت لتوظيف إمكانياته الخاصة والإمكانيات التي سيحصل عليها من الدول الداعمة, خدمة لأغراضه الصهيونية التوسعية في فلسطين أولاً و في سائر الدول العربية ثانياً, في إطار مشروعه الممتد من الفرات إلى النيل مستفيداً من النسيج الأيديولوجي المتعدد الألوان الذي تتشكل منه الفكرة الصهيونية, من أجل الدخول في علاقات مرحلية مع الدول الآسيوية وفي مقدمتها الهند, وذلك ضمن رؤية جيوستراتيجية شاملة تنسجم مع نظرية “دول المحيط” او “السنتو”، أي الدول المحيطة بالعالمين العربي والإسلامي، التي كان ينادي بها الزعيم الصهيوني دافيد بن غوريون منذ مطلع الخمسينات, والتي ترمي إلى محاصرة أو احتواء قوة أية دولة عربية أو إسلامية تقوم سياستها على رفض المشروع الصهيوني التوسعي.
وحري بنا أن نتذكر أنه من المستحيل على الإسرائيليين أن يثقوا حقيقة بنوايا أية دولة عربية أو إسلامية مهما أظهرت من نوايا حسنة، ولهذا نجدهم يعملون على تطويق، بل وتهديد حتى الدول التي لهم معها اتفاقيات سلام مثل مصر، من خلال توثيق علاقاتهم مع دول أفريقية عديدة تحيط بمصر، ويمكن أن تؤثر عليها في أمنها القومي مثل أثيوبيا، وإريتريا، وأوغندا، وجيبوتي. والإسرائيليون يعملون لتكون لهم حصة واضحة ومهمة في صياغة الأمن الإقليمي وذلك على أساس قواعد ثابتة تخدم أمنهم القومي وهي:
1-التفوق العسكري والاستراتيجي على الدول العربية كافة من اجل ضمان التوسع الاقليمي، ولهذا يرفض الكيان المؤقت الاشارة الى اية حدود في وثائقه الرسمية. وقد عبر دافيد بن غوريون عن ذلك بقوله: “ان الحرب سوف ترسم حدود الدولة، وستكون هذه الحدود اوسع من تلك التي خصصتها الامم المتحدة”. وفصل موشيه ديان هذه الفكرة عام 1967 بقوله: “ان الهدف الاول للطريق الذي ننهجه هو ان نضع خريطة جديدة، ونهاية الصراع سوف تتحقق في التحليل الاخير الذي يتضمن الحقيقة الشاملة لوجود دولة يهودية هنا تكون من القوة والاهمية بحيث يصبح من المستحيل تدميرها وسيكون من الضروري التعايش معها”.
2-المساهمة في بناء حوض جيوستراتيجي متكامل يضم عدة دول ذات مصلحة مثل الهند وتركيا وأثيوبيا، وفقاً للمصالح المتحركة التي باتت الحركة الصهيونية تتحكم بالأهم فيها، وهذا كله بما ينسجم مع المصلحة الصهيونية في إدارة الصراع مع الفلسطينيين أولاً والعرب ثانياً.
3- ان نظرية الامن القومي الصهيونية تقوم، فيما تقوم عليه, على اتخاذ الاحتياطات الواجبة كافة بغرض تكريس السيادة اليهودية على الدولة ذات الحدود الزاحفة وحماية مصالحها الداخلية والخارجية المرتبطة ببنائها القومي, ومن هنا فهي لا تتضمن تعزيز القوة العسكرية فحسب, بل تشمل ايضا السياسة الخارجية والتقدير الاستراتيجي للواقع الجيوبوليتيكي المحيط بالدولة الكيان, ومدى التناقض او التقارب الايديولوجي بينها وبين جيرانها الاقليميين, ودراسة امكانيات الدول ذات المصالح المتعارضة او المتوافقة وكيفية الاستفادة من
قدراتها العسكرية والبشرية والاقتصادية والجيوبوليتيكية والجيوستراتيجية، لاسيما وأن الكيان المؤقت يعاني من فقر في العنصر البشري والامني والاقتصادي، والذي يحاول توفيره من خلال العمل الديبلوماسي والتنسيق الاستراتيجي المناسب.
اتسمت العلاقات الهندية الإسرائيلية خلال النصف الثاني من القرن الماضي بالمحدودية، سواء على المستوى السياسي والدبلوماسي، أو الاقتصادي والتجاري، أو العلاقات الثقافية. فعلى الرغم من اعتراف الهند بالكيان المؤقت في سبتمبر/ أيلول عام 1950، وسعي الكيان المؤقت الحثيث خلال تلك الفترة إلى توسيع نطاق علاقاته الخارجية في محاولة لتكريس الاعتراف الدولي به كدولة، والالتفاف على التوجهات العدائية العربية تجاهه، إلا أنه لم ينجح في تطوير علاقاته مع الهند، واقتصر التمثيل السياسي عند مستوى التمثيل القنصلي فقط.
وعلاوة على ما سبق، فقد أدى وجود أقلية يهودية محدودة داخل الهند إلى ضعف تعاطف حركة التحرر الوطني الهندية، قبل الاستقلال، مع المسألة اليهودية. فرغم تفهم القيادات الوطنية الهندية للطموحات اليهودية في إقامة وطن خاص بهم، إلا أن حزب المؤتمر انتقد اعتمادهم على “الإمبريالية” البريطانية لإنجاز هذا الطموح، الأمر الذي أدى إلى نظرة الحزب للكيان المؤقت باعتباره مشروعا استعماريا. وقد استمر هذا الموقف من الدولة اليهودية الجديدة إلى ما بعد الاستقلال.
شهدت أواخر الثمانينيات وأوائل التسعينيات بداية انفتاح واضح في العلاقات الهندية-الإسرائيلية، عكست تحولا بنيويا في توجهات السياسة الخارجية الهندية تجاه “إسرائيل”.
وقد حاولت الهند من جانبها رفع مستوى العلاقات الدبلوماسية تدريجيا، إلا أن الكيان المؤقت أصر على العلاقات الدبلوماسية الكاملة، كشرط مسبق للمشاركة في مفاوضات مدريد للسلام في الشرق الأوسط-المفاوضات المتعددة الطرف، وهو ما اضطر الهند إلى القبول بالشرط الإسرائيلي، حيث تم الإعلان عن انتقال البلدين إلى مستوى العلاقات الدبلوماسية الكاملة في 29 كانون الثاني 1992 في عهد رئيس الوزراء الهندي “نارسيمها راو”(1991-1996).
ومثّلت زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي أرييل شارون للهند في أيلول 2003 نقطة تحول فارقة في علاقات البلدين، والتي أوضحت للعالم أن الهند لم يعد لديها أي تحفظ بشأن علاقاتها مع إسرائيل، بل وانتقالها إلى مستويات ومجالات نوعية بالمقارنة ليس فقط بمرحلة الحرب الباردة، ولكن بالمقارنة بعقد التسعينيات أيضا.
ومع التحول المهم الذي طال الخطاب الباكستاني بخصوص هذا الصراع، خاصة بعد إعلان الرئيس الباكستاني السابق برفيز مشرف في تشرين الأول 2004 استعداده التنازل عن تطبيق قرارات الأمم المتحدة التي تدعو إلى تسوية مشكلة كشمير من خلال تطبيق استفتاء حر في الإقليم، كما جاء التأكيد الثاني عليه مرة أخرى في عام 2006.
كما أن تزايد تراجع الأهمية النسبية للمحدد العربي لقضية كشمير في السياسة الهندية تجاه الكيان المؤقت في ضوء تزايد احتمالات تطبيع العلاقات الباكستانية-الإسرائيلية.
فقد أدى التطور المتسارع في الشراكة الهندية-الإسرائيلية، فضلا عن تزايد احتمالات إقدام باكستان على تطبيع علاقاتها مع إسرائيل، ونقل هذه العلاقات من المستوى الفعلي إلى المستوى العلني.
وهكذا أصبحت الهند أكبر سوق لصادرات الأسلحة الإسرائيلية في العالم، إذ بلغت مبيعات السلاح الإسرائيلي للهند في عام 2006 مليار ونصف المليار دولار، ويعني ذلك أن السوق الهندية تستحوذ على أكثر من ثلث إجمالي قيمة مبيعات الأسلحة الإسرائيلية.
ولعل ما يؤكد أهمية الهند بالنسبة للكيان المؤقت في هذا المجال، أن السياسة الإسرائيلية تجاه الهند لم تأخذ بعين الاعتبار المبادرات والتوجهات الهندية تجاه اسرائيل خلال العقود السابقة على بدء الانفتاح السياسي الهندي على الكيان المؤقت في أوائل التسعينيات. إذ أنه رغم التوجهات الهندية المتحفظة ضد الانفتاح على إسرائيل، فقد حرصت هذه الأخيرة على إبقاء الباب مواربا أمام علاقات مستقبلية مع الهند تتجاوز اعتبارات وقيود تلك المرحلة.
ولعل ما يرجح هذا التحليل هو الحرص الإسرائيلي على تقديم الدعم السياسي للهند في صراعاتها الإقليمية، خاصة خلال الحرب الهندية-الصينية في عام 1962، والحرب الهندية-الباكستانية في عام 1965. وتمثل كشمير خلال مرحلة التحفظ الهندي على علاقات منفتحة مع الكيان المؤقت النموذج الأبرز لذلك الحرص الإسرائيلي.
ويتعلق الدافع الثاني بأهمية الهند كسوق لصادرات السلاح الإسرائيلي، ليس فقط من الناحية الكمية، بل اكتسبت السوق الهندية أهمية نوعية أيضا بالنسبة لإسرائيل.
من الملاحظ فيما يتعلق بمجالات التعاون الأساسية بين الهند والكيان المؤقت هي مركزية القضايا الأمنية والدفاعية. ويشكل التعاون لمكافحة الإرهاب أحد المجالات السياسية والأمنية الأبرز في العلاقات الهندية-الإسرائيلية، ورغم أن التعاون في هذا المجال قد شهد دفعة قوية وزخما جديدا بعد أحداث أيلول 2001، إلا أنه يعود إلى ما قبل ذلك التاريخ، خاصة بعد تشكيل اللجنة المشتركة لمحاربة الإرهاب في عام 2001.
تحاول الهند الاستفادة بشكل خاص من الخبرة الإسرائيلية في إدارة الصراعات المنخفضة الحدة مع التنظيمات الإسلامية المتشددة، وهو نمط الصراع ذاته الذي تواجهه الهند في كشمير، والذي واجهته لفترة طويلة في علاقاتها مع باكستان، قبل أن تشهد علاقات البلدين انفراجة واضحة منذ عام 2004.
كما يمثل التعاون في موضوع الدفاع المجال الأبرز في العلاقات الهندية الإسرائيلية، ويشمل هذا التعاون مجالات عدة، أبرزها تجارة السلاح، حيث تعد الهند في هذا الإطار أكبر سوق للسلاح الإسرائيلي. وقد جاء ذلك نتيجة عاملين، الأول هو انهيار الاتحاد السوفيتي، ومن ناحية ثانية، وتقادم الترسانة العسكرية الهندية السوفيتية المنشأ.
كما لعب الكيان المؤقت دورا مهما في إقناع الولايات المتحدة بالموافقة على حصول الهند على أسلحة إسرائيلية تتضمن تكنولوجيات عسكرية أمريكية كثيرا ما تحفظت الولايات المتحدة على حصول الهند عليها، ومن أمثلة ذلك نجاحه في إقناع إدارة كلينتون في منتصف عام 2000 بالموافقة على تزويد الهند بأنظمة الإنذار والسيطرة المحمولة جوا “أواكس” Airborne Warning and Controlling System (AWACS).
إضافة إلى التعاون الهندي-الإسرائيلي في مجالي الدفاع ومكافحة الإرهاب، سعت الهند إلى توسيع نطاق تحالفها مع الكيان المؤقت ليشمل الولايات المتحدة من خلال طرح مشروع تأسيس محور ثلاثي بين الدول الثلاث. وفي هذا الإطار، طرح مستشار الأمن القومي الهندي في حكومة آتال بيهاري فاجبايي، براجيش ميشرا Brajesh Mishra، أثناء حضوره العشاء السنوي الثامن والتسعين “للجنة اليهودية الأميركية” American Jewish Committee (AJC) بالولايات المتحدة الأميركية في الثامن من مايو/ أيار 2003، مشروعا لإنشاء محور ثلاثي يضم الدول الثلاث. وقد حدد ميشرا الهدف الرئيسي للمحور في محاربة الإرهاب الدولي.
كما أن تصاعد الدور السياسي للأمريكيين من ذوي الأصول الهندية داخل الولايات المتحدة، إذ ارتفع حجم هذه الشريحة من حوالي 815.5 ألف، وفقا لتعداد السكان الأميركي سنة 1990 إلى نحو 1.7 مليون وفقا لتعداد سنة 2000، إلى حوالي 2.6 مليون نسمة وفقا لبيانات مكتب الإحصاء الأميركي في سنة 2007. وتولي الحكومة الهندية اهتماما كبيرا لهذه الشريحة، بالإضافة إلى الجالية الهندية هناك، حيث تسعى إلى تأهيل الدور السياسي لهذه الشريحة داخل الولايات المتحدة بما يخدم مصالحها الوطنية، لتشكيل “لوبي هندي”، من خلال الاستفادة في هذا المجال من قدرات اللوبي اليهودي، ومن خلال تنمية أواصر التعاون بين الأميركيين الهنود واللوبي اليهودي، وهو التعاون الذي شهد نموا ملحوظا خلال السنوات الأخيرة.
وقد نجح “اللوبي الهندي” في خلق حالة من التقارب والتعاون مع اللوبي اليهودي، وكان أهم مظاهر هذا التعاون تأسيس مبادرة الصداقة “الهندية-اليهودية-الأميركية” بين “اللجنة الأميركية اليهودية” و”لجنة الشؤون العامة الأميركية الإسرائيلية“
كما نجح “اللوبي الهندي” خلال السنوات الأخيرة في خلق حالة من التقارب والتعاون الشديد مع اللوبي اليهودي، وكان أهم مظاهر هذا التعاون تأسيس مبادرة الصداقة “الهندية- اليهودية-الأميركية” بين “اللجنة
الأميركية اليهودية” American Jewish Committee (AJC) و”لجنة الشؤون العامة الأميركية الإسرائيلية” (الإيباك) American Israeli Public Affairs Committee (AIPAC)، و”لجنة العمل السياسية الأميركية الهندية” US-Indian Political Action Committee (USINPAC) (20) وهي إحدى جماعات الضغط الخاصة بالهنود الأميركيين التي تم تأسيسها في عام 2002 ويتوقع أن تلعب دورا مؤثرا في الدفاع عن المصالح الهندية داخل الولايات المتحدة في المرحلة القادمة. وقد أطلق أحد أعضاء الكونغرس الأميركي على تلك المبادرة “الزواج العظيم“.
مما يميز تطور العلاقات الثنائية بين نيودلهي وتل أبيب، الصداقة الحميمة بين رئيسي الحكومة الهندية ناريندرا مودي الذي زار الكيان المؤقت في 4 تموز 2017، والإسرائيلية بنيامين نتنياهو، وقواسمهما المشتركة، ولا سيما فيما يتعلق بخطة الأخير لضم الضفة الغربية، التي تراجع عنها “مؤقتا”، وسياسة الأول تجاه إقليم كشمير.
لدى الاثنين توجهات أيديولوجية، لا يخجلان من تنفيذها، وفي حين يقود مودي توجها لإلغاء الحكم الذاتي للإقليم، فإنه يشبه ما كان ينوي القيام به نتنياهو لضم أجزاء من الضفة الغربية.
وفي 14 كانون الثاني 2018، قام رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بزيارة رسمية إلى الهند مدتها ستة أيام، على رأس وفد سياسي واقتصادي كبير، ضم نحو 130 من رجال الأعمال الإسرائيليين. وكان الهدف من هذه الزيارة تعزيز العلاقات بين البلدين في المجال الأمني، وخصوصاً بحث الصفقة التي كانت الكيان المؤقت ستزوّد بموجبها الهند بصواريخ مضادة للدبابات من طراز “سبايك” والتي ألغتها نيو دلهي، وتوسيع هذه العلاقات في المجال الاقتصادي، إذ كان على جدول الأعمال توقيع تسع اتفاقيات في مجالات متنوعة، من ضمنها مجالات الأمن السيبراني، واستكشاف النفط والغاز، والطيران المدني، فضلاً عن التصديق على خطاب نوايا بشأن اتفاقية التجارة الحرة بين البلدين.
كما أعلن الكيان المؤقت في منتصف عام 2023 عن توقيع اتفاقية مع الحكومة الهندية لاستقدام 10 آلاف عامل هندي للعمل في الداخل المحتل في ورش البناء ورعاية المسنين، وسيتم استقدامهم على مرحلتَين، نصفهم خلال عام واحد، والنصف الآخر لاحقًا، وذلك ضمن سلسلة اتفاقيات بين الطرفَين تسمح بوصول 42 ألف عامل هندي إلى الكيان المؤقت.
تأتي اتفاقية استقدام العمالة ضمن تعاون مستمر بين الهند والاحتلال الإسرائيلي وتبادل تجاري ضخم، إذ تعتبَر الهند ثالث أكبر شريك تجاري آسيوي للكيان المؤقت منذ عام 2014، وعاشر أكبر شريك تجاري بشكل عامّ، كما أن حجم تجارتهما البينية بلغ 5 مليارات دولار، مقارنة بـ 200 مليون دولار فقط لدى استئناف علاقاتهما الدبلوماسية عام 1992.
كما مثلت “اتفاقات أبراهام”، التي رعتها إدارة الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، لدمج الكيان المؤقت في النظام الإقليمي للمنطقة العربية، الأرضية التي نشأت على أساسها المجموعة الاقتصادية الجديدة I2 -U2؛ إذ تأسّست هذه المجموعة في تشرين الأول 2021، خلال اجتماع ضمّ وزراء خارجية الولايات المتحدة والكيان المؤقت والإمارات، بهدف متابعة تطبيق اتفاقات أبراهام التي أطلقت في أيلول 2020 عملية تطبيع العلاقات بين الإمارات والبحرين من جهة والكيان المؤقت من جهة أخرى. وقد انضمت الهند، التي أصبحت
تربطها بالكيان المؤقت علاقاتٌ استراتيجية، إلى المجموعة بعد أيام قليلة، وذلك في أثناء زيارة وزير خارجيتها، سوبرامنيام جاي شانكار، إلى الكيان المؤقت. وإثر ذلك، عُقد اجتماع افتراضي ضمّ الأطراف الأربعة في أثناء وجود وزير الخارجية الهندي في الكيان المؤقت، بالتزامن مع مشاركة طائرات من سلاح الجو الهندي في مناورات “العلم الأزرق 2021” التي استضافها الكيان المؤقت. وفي حين بدا مفهومًا إنشاء مجموعة ثلاثية تضم أطراف اتفاقات أبراهام (الكيان المؤقت والإمارات والولايات المتحدة)، فإن انضمام الهند إلى المجموعة أثار تساؤلات عديدة عن غاياته، وكذلك عن سبب اختيار الكيان المؤقت مكانًا لإعلان الهند الانضمام إليها.
يرتبط أطراف مجموعة I2 -U2 الأربعة بشبكة واسعة من المصالح الاقتصادية والاستراتيجية والأمنية، كما تتفق نظرتها حيال العديد من القضايا الإقليمية والدولية.
منذ أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، بدأت المداولات حول خصخصة ميناء حيفا، في إطار سلسلة من الإصلاحات الاقتصادية التي بدأها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي شجع مراراً على بيع الأصول العامة لتقليل الفساد وخفض التكاليف.
وعلى غرار الكواد وإيكواس في آسيا والمحيط الهادئ، تم تأسيس مجموعة آي 2 يو 2 أو مجموعة I2U2، وبعد قمة افتراضية لمجموعة I2-U2 خلال زيارة نائب الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى الشرق الأوسط، تم الإعلان عن عملية الاستحواذ الهندية على ميناء حيفا الإسرائيلي. ووفقاً لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، سيكون ميناء حيفا بمثابة نقطة دخول وخروج لكمية كبيرة من البضائع التي ستنتقل مباشرة من المنطقة إلى البحر الأبيض المتوسط وأوروبا، متجاوزة شبه الجزيرة العربية ونقاط الاختناق الثلاثة، حسب تعبيره.
فازت مجموعة الهندي Gautam Adani بمناقصة لتشغيل ميناء حيفا حتى عام 2054 بالتعاون مع شركة “غادوت” الإسرائيلية، وبحصة لمجموعته تبلغ 70% مقابل مليار و800 مليون دولار، لذلك اعتبروه مالك الميناء.
ويعتبر ميناء حيفا ثاني أكبر موانئ الكيان المؤقت، وأبرزها من حيث عدد السفن السياحية التي تنقل السياح.
ويعتبر ميناء حيفا الإسرائيلي حاسماً من وجهة نظر استراتيجية لعدة أسباب، أبرزها لأنه يقع على ساحل البحر الأبيض المتوسط كمفترق طرق مهم للتجارة والتبادل التجاري بين أوروبا والشرق الأوسط وآسيا.
كما يوفر ميناء حيفا وصولاً سريعاً إلى المدن الرئيسية والمراكز الصناعية في الكيان المؤقت، مما يسهل النقل الفعال للبضائع والموارد.
فيما يتعلق بالجيش الإسرائيلي، تعتبر حيفا قاعدة بحرية بالغة الأهمية توفر منطقة رسو آمنة للسفن الحربية وسفن الدعم.
كما تعد حيفا مركزاً مهماً لإنتاج وتوزيع المنتجات البترولية؛ لأنها موطن لمصفاة نفط كبيرة.
من ناحية أخرى، ستكون الهند قادرة على تحسين اتصالها بأوروبا والشرق الأوسط وآسيا مع اكتسابها السيطرة على ميناء حيفا. سيؤدي ذلك إلى تسهيل التنقل بين هذه المناطق على الأشخاص والسلع والموارد.
كما إن الاستحواذ على سيطرة ميناء حيفا من شأنه أن يمنح الهند إمكانية الوصول إلى المزيد من الأسواق لمنتجاتها وخدماتها، مما يعزز صادراتها وتوسعها الاقتصادي. قد تؤدي ملكية الهند لميناء حيفا إلى نقل التكنولوجيا والخبرة من الكيان المؤقت إلى الهند، مما يساعد في تحديث وتحسين البنية التحتية لموانئ الهند.
وسوف تمنح السيطرة على ميناء حيفا الهند ميزة استراتيجية في المنطقة، مما يعزز أمنها البحري ويسمح لها بالوصول إلى ممرات الشحن الحيوية على غرار المساعي الصينية. قد تزداد المنافسة بسبب سيطرة الهند على ميناء حيفا؛ مما يؤثر على مصالح الصين التجارية والاستثمارية في الشرق الأوسط وأوروبا.
وفي ختام هذا العرض التاريخي للعلاقات الهندية الإسرائيلية، التي وصلت الى مرفأ حيفا، لا يسعنا إلا طرح السؤال على أهل الحل والعقد في لبنان؟ هل ثمة قرار بعزل لبنان عن العالم ومشاريعه الاقتصادية – الحيوية؟ سؤال بدأ يُطرح في الصالونات والأوساط المحلية، منذ الاعلان عن مشاريع دولية من التعاون الهندي الإسرائيلي عبر الممر الاقتصادي من الهند الى اوروبا عبر السعودية وصولا الى حيفا مقابل طريق الحرير من الصين الى اوروبا. فلماذا وقع الاختيار على مرفأ حيفا عوضاً عن مرفأ بيروت كمعبر الى اوروبا؟ هل تم الغاء دور لبنان كصلة بين الشرق والغرب؟ هل غاب لبنان عن الخارطة الجيوستراتيجية؟ ومن المسؤول عن التغييب؟
الكاتب:نسيب شمس
-كاتب وباحث سياسي